الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
وفيه مناظر وفتوحات اعلم أن العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد، التي يخوض فيها البشر، ويتداولونها فيما بينهم تحصيلا وتعليما، هي على صنفين: صنف طبيعي: للإنسان يهتدي إليه بفكره؛ وصنف نقلي: يأخذه عمن وضعه. والأول: هي العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها، ومسائلها، وأنحاء براهينها، ووجوه تعليمها، حتى يقفه نظره وبحثه على الصواب من الخطأ فيها، من حيث هو إنسان ذو فكر. والثاني: هي العلوم النقلية الوضعية، وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، ولا مجال فيها للعقل، إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول، لأن الجزئيات الحادثة المتعاقبة، لا تندرج تحت النقل الكلي بمجرد وضعه، فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي، إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل، وهو نقلي، فرجع هذا القياس إلى النقل، لتفرعه عنه. (1/ 227) وأصل هذه العلوم النقلية كلها هي: الشرعيات من الكتاب والسنة، التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله، وما يتعلق بذلك من العلوم التي نهيئها للإفادة، ثم يستتبع ذلك علوم اللسان العربي، الذي هو لسان الملكة وبه نزل القرآن. وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة، لأن المكلف يجب عليه أن يعرف أحكام الله تعالى المفروضة عليه، وعلى أبناء جنسه، وهي مأخوذة من الكتاب والسنة بالنص، أو بالإجماع، أو بالإلحاق، فلا بد من النظر في الكتاب، ببيان ألفاظه أولا، وهذا هو: علم التفسير، ثم بإسناد نقله وروايته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، الذي جاء به من عند الله، واختلاف روايات القراء في قراءته، وهذا هو: علم القراءات، ثم بإسناد السنة إلى صاحبها، والكلام في الرواة الناقلين لها، ومعرفة أحوالهم وعدالتهم، ليقع الوثوق بأخبارهم، بعلم ما يجب العمل بمقتضاه من ذلك، وهذه هي: علوم الحديث، ثم لا بد في استنباط هذه الأحكام من أصولها من وجه قانوني، يفيد العلم بكيفية هذا الاستنباط، وهذا هو: أصول الفقه، وبعد هذا تحصل الثمرة بمعرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين، وهذا هو: الفقه، ثم إن التكاليف منها: بدني، ومنها: قلبي، وهو المختص بالإيمان، وما يجب أن يعتقد، وما لا يعتقد، وهذه هي: العقائد الإيمانية في الذات، والصفات، وأمور الحشر، والنعيم، والعذاب، والقدر، والحجاج عن هذه بالأدلة العقلية هو: علم الكلام، ثم النظر في القرآن والحديث لا بد أن تتقدمه العلوم اللسانية، لأنه متوقف عليها، وهي أصناف، فمنها: علم اللغة، وعلم النحو، وعلم البيان، وعلم الأدب، حسبما نتكلم عليها كلها. وهذه العلوم النقلية كلها مختصة بالملة الإسلامية وأهلها، وإن كانت (1/ 228) كل ملة على الجملة لا بد فيها من مثل ذلك، فهي مشاركة لها في الجنس البعيد، من حيث إنها علوم الشريعة المنزلة من عند الله تعالى، على صاحب الشريعة المبلغ لها، وأما على الخصوص: فمباينة لجميع الملل، لأنها ناسخة لها، وكل ما قبلها من علوم الملل فمهجورة، والنظر فيها محظور، فقد نهى الشرع عن النظر في الكتب المنزلة غير القرآن. قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد). ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في يد عمر - رضي الله عنه - ورقة من التوراة، فغضب حتى تبيَّن الغضب في وجهه، ثم قال: (ألم آتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي). ثم إن هذه العلوم الشرعية النقلية، قد نفقت أسواقها في هذه الملة، بما لا مزيد عليه، وانتهت فيها مدارك الناظرين، إلى الغاية التي لا فوقها، وهذبت الاصطلاحات، ورتبت الفنون، فجاءت من وراء الغاية في الحسن والتنميق. وكان لكل فن رجال يرجع إليهم فيه، وأوضاع يستفاد منها التعليم، واختص المشرق من ذلك والمغرب بما هو مشهور منها، وقد كسدت لهذا العهد أسواق العلم بالمغرب، لتناقص العمران فيه، وانقطاع سند العلم والتعليم، وما أدري ما فعل الله بالمشرق؟ والظن به نفاق العلم فيه، واتصال التعليم في العلوم، وفي سائر الصنائع الضرورية والكمالية، لكثرة عمرانه، والحضارة، ووجود الإعانة لطالب العلم بالجراية من الأوقاف، التي اتسعت بها أرزاقهم، - والله سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد، وبيده التوفيق والإعانة -. (1/ 229) وذلك من الغريب الواقع، لأن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية، أكثرهم العجم، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته، فهو عجمي في لغته، ومرباه، ومشيخته؛ مع أن الملة عربية، وصاحب شريعتها عربي؛ والسبب في ذلك: أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة، لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة، وإنما أحكام الشريعة - التي هي: أوامر الله ونواهيه - كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة، بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه، والقوم يومئذ عرب، لم يعرفوا أمر التعليم، والتأليف، والتدوين، ولا دفعوا إليه، ولا دعتهم إليه حاجة، وجرى الأمر على ذلك زمن الصحابة والتابعين، وكانوا يُسمُّون المختصين بحمل ذلك ونقله: (القُرَّاء): أي الذين يقرؤون الكتاب، وليسوا أميين، لأن الأمية يومئذ صفة عامة في الصحابة، بما كانوا عربا، فقيل لحملة القرآن يومئذ: (قُرَّاء) إشارة إلى هذا، فهم قراء لكتاب الله، والسنة المأثورة عن رسول الله، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث، الذي هو في غالب موارده تفسير له وشرح. قال - صلى الله عليه وسلم -: (تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنتي). فلما بعد النقل - من لدن دولة الرشيد فما بعد - احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافة ضياعه؛ ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد، وتعديل الناقلين، للتمييز بين الصحيح من الأسانيد وما دونه؛ ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة، وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج (1/ 230) إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في: الاستنباطات، والاستخراج، والتنظير، والقياس؛ واحتاجت إلى علوم أخرى، وهي وسائل لها من: معرفة قوانين العربية، وقوانين ذلك الاستنباط والقياس، والذبِّ عن العقائد الإيمانية بالأدلة، لكثرة البدع والإلحاد، فصارت هذه العلوم كلها علوما ذات ملكات، محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع. وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر، وأن العرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضرية، وبعد عنها العرب وعن سوقها. والحضر لذلك العهد هم: العجم، أو من في معناهم من الموالي، وأهل الحواضر، الذين هم يومئذ تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من: الصنائع والحرف، لأنهم أقوم على ذلك، للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس؛ فكان صاحب صناعة النحو: سيبويه، والفارسي من بعده، والزجاج من بعدهما، وكلهم عجم في أنسابهم، وإنما ربوا في اللسان العربي، فاكتسبوه بالمربى، ومخالطة العرب، وصيروه قوانين وفنا لمن بعدهم؛ وكذا حملة الحديث الذين حفظوه عن أهل الإسلام، أكثرهم عجم، أو مستعجمون باللغة والمربى؛ وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما - كما يعرف -؛ وكذا حملة علم الكلام؛ وكذا أكثر المفسرين؛ ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم. وظهر مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو تعلق العلم بأكناف السماء، لناله قوم من أهل فارس). وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها، وخرجوا إليها عن البداوة، فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية، وما دفعوا إليه من القيام بالملك، عن القيام بالعلم والنظر فيه؛ فإنهم كانوا أهل الدولة، وحاميتها، (1/ 231) وأولي سياستها، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصنائع؛ والرؤساء - أبدا - يستنكفون عن الصنائع، والمهن، وما يجر إليها، ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولدين؛ وما زالوا يرون لهم حق القيام به، فإنه دينهم، وعلومهم، ولا يحتقرون حملتها كل الاحتقار؛ حتى إذا خرج الأمر من العرب جملة وصار للعجم، صارت العلوم الشرعية غريبة النسبة عند أهل الملك، بما هم عليه من البعد عن نسبتها، وامتهن حملتها بما يرون أنهم بعداء عنهم، مشتغلين بما لا يغني ولا يجدي عنهم في: الملك، والسياسة؛ وهذا الذي قررناه: هو السبب في أن حملة الشريعة أو عامتهم من العجم. وأما العلوم العقلية أيضا: فلم تظهر في الملة، إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه، واستقر العلم كله صناعة، فاختصت بالعجم، وتركتها العرب، وانصرفوا عن انتحالها، فلم يحملها إلا المعربون من العجم - شأن الصنائع، كما قلناه أولا -؛ فلم يزل ذلك في الأمصار، ما دامت الحضارة في العجم وبلادهم من: العراق، وخراسان، وما وراء النهر؛ فلما خربت تلك الأمصار، وذهبت منها الحضارة، التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع، ذهب العلم من العجم جملة، لما شملهم من البداوة، واختص العلم بالأمصار الموفورة الحضارة؛ ولا أوفر اليوم في الحضارة من مصر، فهي: أم العالم، وإيوان الإسلام، وينبوع العلم والصنائع؛ وبقي بعض الحضارة فيما وراء النهر، لما هناك من الحضارة بالدولة التي فيها، فلهم بذلك حصة من العلوم والصنائع لا تنكر. وقد دلنا على ذلك: كلام بعض علمائهم في تآليف وصلت إلينا من هذه البلاد، وهو: سعد الدين التفتازاني؛ وأما غيره (1/ 232) من العجم فلم نر لهم من بعد الإمام: ابن الخطيب، ونصير الدين الطوسي، كلاما يعول على نهايته في الإصابة؛ - فاعتبر ذلك وتأمله، تر عجبا في أحوال الخليقة؛ والله يخلق ما يشاء، لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وحسبنا الله، ونعم الوكيل، والحمد لله -. أركانه أربعة: وهي اللغة، والنحو، والبيان، والأدب؛ ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة، إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتابعين عرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة، وتتفاوت في التأكيد بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام، حسبما يتبين في الكلام عليها فنا فنا. والذي يتحصل: أن الأهم المقدَّم منها هو: النحو، إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة، فيعرف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجهل أصل الإفادة. وكان من حق علم اللغة التقدم، لولا أن أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير، بخلاف الإعراب الدال (1/ 233) على الإسناد، والمسند، والمسند إليه، فإنه تغير بالجملة، ولم يبق له أثر. فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة، إذ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة، وليست كذلك اللغة، - والله سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق -. وقد قدمنا أن العلم من جملة الصنائع، لكنه أشرفها، فلا نعيد الكلام على ذلك، حذرا من الإطالة. ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم والسبب في ذلك: أن البشر يأخذون معارفهم، وأخلاقهم، وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل، تارةً: علما، وتعليما، وإلقاء؛ وتارة: محاكاة وتلقينا بالمباشرة؛ إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما، وأقوى رسوخا، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها. والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم، حتى لقد يظن كثير منهم أنها جزء من العلم، ولا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته، لاختلاف الطرق فيها من المعلمين. فلقاء أهل العلوم، وتعدد المشائخ، يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها، فيجرد العلم عنها، ويعلم أنها أنحاء تعليم، وطرق توصيل، وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات، ويصحح معارفه، ويميزها عن سواها، مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين، وكثرتهما من المشيخة، عند تعددهم وتنوعهم. وهذا لمن يسر الله تعالى عليه طرق العلم والهداية، فالرحلة لا بد منها في طلب العلم، لاكتساب الفوائد والكمال، بلقاء المشائخ، ومباشرة الرجال؛ (1/ 234) - المنظر الخامس في أن العلماء - من بين البشر - أبعد عن السياسة ومذاهبها والسبب في ذلك: أنهم معتادون النظر الفكري، والغوص على المعاني، وانتزاعها من المحسوسات، وتجريدها في الذهن أمورا كلية عامة، ليحكم عليها بأمر العموم، لا بخصوص مادة، ولا شخص، ولا جيل، ولا أمة، ولا صنف من الناس؛ ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات، وأيضا يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها، بما اعتادوه من القياس الفقهي. فلا تزال أحكامهم وأنظارهم كلها في الذهن، ولا تصير إلى المطابقة، إلا بعد الفراغ من البحث والنظر، ولا تصير بالجملة إلى مطابقة، وإنما يتفرع ما في الخارج عما في الذهن من ذلك: كالأحكام الشرعية، فإنها فروع عما في المحفوظ من أدلة الكتاب والسنة، فَتُطْلَبُ مطابقة ما في الخارج لها، عكس الأنظار في العلوم العقلية، التي تطلب في صحتها مطابقتها لما في الخارج. فهم متعودون في سائر أنظارهم الأمور الذهنية، والأنظار الفكرية، لا يعرفون سواها، والسياسة يحتاج صاحبها إلى مراعاة ما في الخارج، وما يلحقها من الأحوال ويتبعها، فإنها خفية؛ ولعل أن يكون فيها ما يمنع من إلحاقها بشبه أو مثال، وينافي الكلي الذي يحاول تطبيقه عليها. ولا يقاس شيء من أحوال العمران على الآخر، إذ كما اشتبها في أمر واحد، فلعلهما اختلفا في أمور، فتكون العلماء - لأجل ما تعودوه من تعميم الأحكام، وقياس الأمور بعضها على بعض - إذا نظروا في السياسة، أفرغوا (1/ 235) ذلك في قالب أنظارهم، ونوع استدلالاتهم، فيقعون في الغلط كثيرا، ولا يُؤمن عليهم؛ ويلحق بهم أهل الذكاء والكيس، من أهل العمران، لأنهم ينزعون بثقوب أذهانهم إلى مثل شأن الفقهاء، من الغوص على المعاني، والقياس، والمحاكاة، فيقعون في الغلط. والعامِّي، السليم الطبع، المتوسط الكيس، لِقُصُورِ فِكْره عن ذلك، وعدم اعتياده إياه، يقتصر لكل مادة على حكمها، وفي كل صنف من الأحوال والأشخاص على ما اختص به، ولا يعدي الحكم بقياس ولا تعميم، ولا يفارق في أكثر نظره المواد المحسوسة، ولا يجاوزها في ذهنه، كالسابح: لا يفارق البر عند الموج؛ قال الشاعر: فلا تُوغِلَنَّ إذا ما سبحْتَ ** فإن السلامة في الساحلِ فيكون مأمونا من النظر في سياسته، مستقيم النظر في معاملة أبناء جنسه، فيحسن معاشه، وتندفع آفاته ومضاره، باستقامة نظره؛ - ومن هنا: يتبين أن صناعة المنطق غير مأمونة الغلط، لكثرة ما فيها من الانتزاع، وبُعْدها عن المحسوس، فإنها تنظر في المعقولات الثواني. ولعل المواد فيها ما يمانع تلك الحكام وينافيها، عند مراعاة التطبيق اليقيني؛ وأما النظر في المعقولات الأُوَل - وهي التي تجريدها قريب - فليس كذلك، لأنها خيالية؛ وصور المحسوسات حافظة مُؤْذنة بتصديق انطباقه؛ - والله سبحانه وتعالى أعلم، وبه التوفيق.
وفيه فتوحات: (1/ 236) فتح: اعلم أنه على كل خير مانع؛ وعلى العلم موانع، منها: الوثوق بالمستقبل، والوثوق بالذكاء، والانتقال من علم إلى علم، قبل أن يحصّل منه قدرا يعتد به، أو من كتاب إلى كتاب قبل ختمه. ومنها: طلب المال، أو الجاه، أو الركون إلى اللذات البهيمية. ومنها: ضيق الحال، وعدم المعونة على الاشتغال. ومنها: أفعال الدنيا، وتقليد الأعمال. ومنها: كثرة التأليف في العلوم، وكثرة الاختصارات، فإنها مخلة عائقة. فتح: أما الوثوق بالمستقبل: فلا ينبغي للعاقل، لأن كل يوم آت بمشاغله، فلا يؤخر شغل يومه إلى غد. فتح: وأما الوثوق بالذكاء: فهو من الحماقة، وكثير من الأذكياء فاته العلم بهذا السبب. فتح: وأما الانتقال من علم إلى علم، قبل أن يستحكم الأول، فهو: سبب الحرمان عن الكل، فلا يجوز، وكذا الانتقال من كتاب إلى كتاب كذلك. فتح: وأما طلب المال، أو الجاه، أو الركون إلى اللذات البهيمية، فالعلم أعز من أن ينال مع غيره، أو على سبيل التبعية، ولذلك ترى كثيرا من الناس لا ينالون من العلم قدرا صالحا يعتد به، لاشتغالهم عنه بطلب المنصب والمدرسة، وهم يطلبونه دائما، ليلا ونهارا، سرا وجهارا، ولا يفترون، وكان ذكرهم وفكرهم تحصيل المال والجاه، مع أنها لهم في اللذات (1/ 237) الفانية، وعدم ركونهم إلى السعادة الباقية، ومناصبهم في الحقيقة مناصب أجنبية، لأنها شاغلة عن الشغل والتحصيل، على القانون المعتبر في طريقه. فتح: وأما ضيق الحال، وعدم المعونة على الاشتغال، فمن أعظم الموانع وأشدها، لأن صاحبه مهموم ومشغول القلب أبدا. فتح: وأما إقبال الدنيا، وتقلد العمل، فلا شك أنه يمنع صاحبه عن التعليم والتعلم. فتح: وأما كثرة المصنفات في العلوم، واختلاف الاصطلاحات في التعليم، فهي عائقة عن التحصيل، لأنه لا يفي عمر الطالب - بما كتب في صناعة واحدة - إذا تجرد لها، لأن ما صنفوه في الفقه مثلا من المتون والشروح، لو التزمه طالب لا يتيسر له، مع أنه يحتاج إلى تمييز طرق المتقدمين والمتأخرين، وهي كلها متكررة، والمعنى واحد. والمتعلم طالب، والعمر ينقضي في واحد منها، ولو اقتصروا على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك، ولكنه داء لا يرتفع؛ ومثله علم العربية أيضا، في مثل كتاب سيبويه، وما كتب عليه، وطرق البصرييين، والكوفيين، والأندلسيين، وطرق المتأخرين، مثل: ابن الحاجب، وابن مالك، وجميع ما كتب في ذلك: كيف يُطالب به المتعلم؟ وينقضي عمره دونه، ولا يطمع الذي هو آلة من آلات (1/ 238) ووسيلة، فكيف تكون في المقصود الذي هو الثمرة؟ - ولكن الله يهدي من يشاء، وهو أعلم بالمهتدين -. فتح: وأما كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم فإنها مخلة بالتعليم، فقد ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها، ويدونون منها برنامجا مختصرا في كل علم، يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ، وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن، وصار ذلك مخلا بالبلاغة، وعَسِرا على الفهم. وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون، للتفسير والبيان، فاختصروها تقريبا للحفظ، كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه، وابن مالك في العربي، والخونجي في المنطق، وأمثالهم، وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطا على المبتدئ، بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم؛ ثم فيه - مع ذلك - شغل كبير على المتعلم، بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم، بتزاحم المعاني عليها، وصعوبة استخراج المسائل من بينها، لأن ألفاظ المختصرات تجدها - لأجل ذلك - صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت. ثم بعد ذلك: فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة، فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة، بكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة، المفيدَيْن لحصول الملكة التامة؛ وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته، كشأن هذه (1/ 239) الموضوعات المختصرة، فقصدوا إلى تحصيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعبا يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها. ومن ذلك القبيل: كتاب: (التهذيب في المنطق) لسعد الدين التفتازاني؛ و (السُلّم)، و (المُسْلم) لمحب الله البهاري؛ و (الفصول الأكبري) في الصرف؛ و (الفوائد الصمدية) في النحو؛ - {ومن يهد الله فلا مضل له}، ومن يضلل فلا هادي له، والله سبحانه أعلم -. اعلم: أن من كان عنايته بالحفظ، أكثر من عنايته إلى تحصيل الملكة، لا يحصل على طائل من ملكة التصرف في العلم؛ ولذلك ترى من حصل الحفظ، لا يحسن شيئا من الفن، وتجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر، كأكثر فقهاء المغرب، وطلبة علمه من: أهل بخارى، وبغداد، وكابل، وقندهار، ومن إليها من المدن والأمصار. ومن ظن أنه المقصود من الملكة العلمية فقد أخطأ، وإنما المقصود هو: ملكة الاستخراج، والاستنباط، وسرعة الانتقال من الدوالِّ إلى المدلولات، ومن اللازم إلى الملزوم، وبالعكس، فإن انضم إليها ملكة الاستحضار فنعم المطلوب، وهذا لا يتم بمجرد الحفظ، بل الحفظ من أسباب الاستحضار، وهو راجع إلى جودة قوة الحافظة وضعفها، وذلك من أحوال الأمزجة الخلقية، وإن كان مما يقبل العلاج. (1/ 240) وفيه فتوحات أيضا: فتح: اعلم أن شرائط التحصيل كثيرة، لكنها مجتمعة فيما نقل عن سقراط، وهو قوله: ينبغي أن يكون الطالب شابا، فارغ القلب، غير ملتفت إلى الدنيا، صحيح المزاج، محبا للعلم، بحيث لا يختار على العلم شيئا من الأشياء، صدوقا، منصفا بالطبع، متدينا، أمينا، عالما بالوظائف الشرعية، والأعمال الدينية، غير مخل بواجب فيها، ويحرم على نفسه ما يحرم في ملة نبيه، ويوافق الجمهور في الرسوم والعادات، ولا يكون فظا سيئ الخلق، ويرحم من دونه في المرتبة، ولا يكون أكولا، ولا متهتكا، ولا خاشعا من الموت، ولا جامعا للمال إلا بقدر الحاجة، فإن الاشتغال بطلب أسباب المعيشة مانع عن التعلم. انتهى. فتح: ومن الشروط: تزكية الطالب عن الأخلاق الردية، وهي متقدمة على غيرها، كتقدم الطهارة، فكما أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، كذلك العلم لا يدخل القلب، إذا وجد فيه كلاب باطنية. وكانت الأوائل يختبرون المتعلم أولا، فإن وجدوا فيه خلقا رديا منعوه، لئلا يصير آلة الفساد، وإن وجدوه مهذبا علموه، ولا يطلقونه قبل الاستكمال، خوفا على فساد دينه، ودين غيره. فتح: ومنها: الإخلاص في مقاساة هذا المسلك، وقطع الطمع عن قبول أحد؛ فيجب أن ينوي في تعلمه أن: يعمل بعلمه لله تعالى، وأن يعلم الجاهل، ويوقظ الغافل، ويرشد الغَوِيّ. فإنه قال - عليه (1/ 241) الصلاة و السلام: (من تعلم العلم لأربع دخل النار: ليباهي به العلماء، وليماري به السفهاء، ويقبل به وجوه الناس إليه، وليأخذ به الأموال). فتح: ومن الشروط: تقليل العوائق، حتى الأهل، والأولاد، والوطن، فإنها صارفة وشاغلة ومهما توزعت الفكرة، قصرت عن درك الحقائق. وقد قيل: العلم لا يعطيك بعضه، حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك، فأنت على خطر من الوصول إلى بعضه. فتح: ومنها: ترك الكسل، وإيثار السهر في الليالي، ومن جملة أسباب الكسل فيه: ذكر الموت، والخوف منه، لكنه ينبغي أن يكون من جملة أسباب التحصيل، إذ لا عمل يحصل به الاستعداد للموت، أفضل من العلم والعمل به، والخوف منه لا ينبغي أن يتسلط على الطالب، بحيث يشغله عن الاستعداد. وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (أكثروا ذكر هادم اللذات) يدل على أنه ينبغي أن يكون ذكره سببا للانقطاع عن اللذات الفانية، دون الباقية. فتح: ومن الشروط: العزم والثبات على التعلم إلى آخر العمر، كما قيل: (الطلب من المهد إلى اللحد). وقال - سبحانه وتعالى - لحبيبه - صلى الله عليه وسلم -: وقال: والحيلة في صرف الأوقات إلى التحصيل: أنه إذا مل من علم، اشتغل بآخر، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه - إذا مل من الكلام مع المتعلمين: هاتوا دواوين الشعراء. فتح: ومنها: اختيار معلم ناصح، نقي الحسب، كبير السن، (1/ 242) لا يلابس الدنيا بحيث تشغله عن دينه، ويسافر في طلب الأستاذ إلى أقصى البلاد، إن لم يكن ببلده الذي يسكن فيه. ويقال: أول ما يذكر من المرء أستاذه، فإن كان جليلا جل قدره، فإذا وجده يلقي إليه زمام أمره، ويذعن لنصحه إذعان المريض للطبيب، ولا يستبد بنفسه اتكالا على ذهنه، ولا يتكبر عليه وعلى العلم، ولا يستنكف، لأنه قد ورد في الحديث: (من لم يتحمل ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا). ومن الآداب: احترام المعلم وإجلاله، فمن تأذى منه أستاذه يحرم بركة العلم، ولا ينتفع به إلا قليلا؛ وينبغي أن يقدم حق معلمه على حق أبويه وسائر المسلمين، ومن توقيره: توقير أولاده، ومتعلقاته؛ ومن تعظيم العلم: تعظيم الكتب والشركاء. فتح: ومن الشروط: أن يأتي على ما قرأه، مستوعبا لمسائله - من مبادئه إلى نهايته - بتفهم، واستثبات بالحجج، وأن يقصد فيه الكتب الجيدة، وأن لا يعتقد في علم أنه حصل منه على مقدار لا يمكن الزيادة عليه، وذلك طيش يوجب الحرمان. فتح: ومنها: أن لا يدع فنا من فنون العلم، إلا وينظر فيه نظر مطلع على غايته، ومقصده، وطريقته؛ وبعد المطالعة في الجميع أو الأكثر إجمالا - إن مال طبعه إلى فن - عليه أن يقصده، ولا يتكلف غيره، فليس كل الناس يصلحون للتعلم، ولا كل من يصلح لتعلم علم يصلح لسائر العلوم، بل كلٌّ ميسَّر لما خلق له؛ وإن كان ميله إلى الفنون على السواء، مع موافقة الأسباب، ومساعدة الأيام، طلب التبحر فيها، فإن العلوم كلها متعاونة، مرتبطة بعضها ببعض؛ لكن عليه أن لا يرغب (1/ 243) في الآخر، قبل أن يستحكم الأول، لئلا يصير مذبذبا، فيحرم من الكل؛ ولا يكن ممن يميل إلى البعض ويعادي الباقي، لأن ذلك جهل عظيم؛ وإياه أن يستهين بشيء من العلوم، تقليدا لما سمعه من الجهلة، بل يجب أن يأخذ من كلٍّ حظا، ويشكر من هداه إلى فهمه؛ ولا يكن ممن يذم العلم ويعدوه لجهله، مثل ذمهم المنطق، الذي هو أصل كل علم، وتقويم كل ذهن، ومثل ذمهم العلوم الحكمية على الإطلاق، من غير معرفة القدر المذموم والممدوح منها، ومثل ذم علم النجوم، مع أن بعضا منه فرض كفاية، والبعض مباح، ومثل ذم مقالات الصوفية لاشتباهها عندهم. والعلم وإن كان مذموما في نفسه - كما زعموا - فلا يخلو تحصيله من فائدة، أقلها رد القائلين به. قف: اعلم أن النظر والمطالعة في علوم الفلسفة يَحِلُّ بشرطين:أحدهما: أن لا يكون خالي الذهن عن العقائد الإسلامية، بل يكون قويا في ذهنه، راسخا على الشريعة الشريفة. والثاني: أن لا يتجاوز مسائلهم المخالفة للشريعة، وإن تجاوز فإنما يطالعها للرد لا غير. هذا لمن ساعده الذهن، والسن، والوقت، وسامحه الدهر عما يفضيه إلى الحرمان، وإلا فعليه أن يقتصر على الأهم، وهو قدر ما يحتاج إليه، فيما يتقرب به إلى الله تعالى، وما لا بد منه في: المبدأ، والمعاد، والمعاملات، والعبادات، والأخلاق والعادات. فتح: ومن الشروط المعتبرة في التحصيل: المذاكرة مع الأقران ومناظرتهم، كما قيل: العلم غرس، وماؤه درس؛ لكن طلبا للثواب، وإظهارا للصواب، وقيل: مطارحة ساعة، خير من تكرار شهر؛ (1/ 244) ولكن مع منصف سليم الطبع. وينبغي للطالب أن يكون متأملا في دقائق العلوم، ويعتاد ذلك، فإنما تدرك به خصوصا قبل الكلام، فإنه كالسهم، فلا بد من تقويمه بالتأمل أولا. فتح: ومنها: الجد والهمة، فإن الإنسان يطير بهما إلى شواهق الكمالات؛ وأن لا يؤخِّر شغل يوم إلى غد، فإن لكل يوم مشاغل؛ ولا بد أن تكون معه محبرة في كل وقت، حتى يكتب ما يسمع من الفوائد، ويستنبطه من الزوائد، فإن العلم صيد، والكتابة قيد. وينبغي أن يحفظ ما كتبه من العلم، إذ العلم ما ثبت في الخواطر، لا ما أودع في الدفاتر، بل الغرض منه المراجعة إليها عند النسيان، للاعتماد عليها. فتح: ومن الشروط: مراعاة مراتب العلوم، في القرب والبعد من المقصد، فلكل منها مرتبة ترتيبا ضروريا، بحسب الرعاية في التحصيل، إذ البعض طريق إلى البعض. ولكل علم حد لا يتعداه، فعليه أن يعرفه، فلا يتجاوز ذلك الحد، مثلا: لا يقصد إقامة البراهين في النحو ولا يطلب، وأيضا لا يقصر عن حده، كأن يقنع بالجدل في الهيئة. وأن يعرف أيضا: أن مِلاك الأمر في المعاني هو: الذوق، وإقامة البرهان عليه خارج عن الطوق، ومن طلب البرهان عليه أتعب نفسه، كما قال السكاكي: قبل أن تمنح هذه الفنون حقها، فلننبهك على أصل، ليكون على ذكر منك، وهو أنه ليس من الواجب في صناعة - وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل - أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها، في استفادة الذوق عنها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى محكمات وضعية، واعتبارات إلفية؟ فلا بأس على الدخيل في صناعة (1/ 245) علم المعاني، أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه، إن فاته الذوق هناك، إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق. انتهى. فتح: ومنها: العلوم الآلية، لا يوسع فيها الأنظار، وذلك أن العلوم المتداولة على صنفين: علوم مقصودة بالذات، كالشرعيات والحكميات؛ وعلوم هي آلة ووسيلة لهذه العلوم، كالعربية، والمنطق؛ فأما المقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها، وتفريع المسائل، واستكشاف الأدلة، فإن ذلك يزيد طالبها تمكنا في ملكته، وأما العلوم الآلية فلا ينبغي أن ينظر فيها، إلا من حيث هي آلة للغير، ولا يوسع فيها الكلام، لأن ذلك يخرج بها عن المقصود، وصار الاشتغال بها لغوا، مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتها بطولها، وكثرة فروعها، وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات، لطول وسائلها، فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعا للعمر، وشغلا بما لا يغني. وهذا كما فعله المتأخرون في النحو والمنطق وأصول الفقه، لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها نقلا واستدلالا، وأكثروا من التفاريع والمسائل، بما أخرجها عن كونها آلة، وصيرها مقصودة بذاتها، فيكون لأجل ذلك لغوا ومضرا بالمتعلمين، لاهتمامهم بالمقصود أكثر من هذه الآلات، فإذا أفنى العمر فيها، فمتى يظفر بالمقاصد؟! فيجب عليه أن لا يستبحر فيها، ولا يستكثر من مسائلها.
|